سورة السجدة - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (السجدة)


        


{الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7)}
{الذى أَحْسَنَ كُلَّ شَىْء خَلَقَهُ} خبر رابع أو نعت ثالث أو نصب على المدح، وجوز أبو البقاء كونه خبر مبتدأ محذوف أي هو الذي، وكون {العزيز} مبتدأ و{الرحيم} صفته وهذا خبره وجملة {خَلَقَهُ} في محل جر صفة {شَىْء} ويجوز أن تكون في محل نصب صفة {كُلٌّ} واحتمال الاستئناف بعيد أي حسن سبحانه كل مخلوق من مخلوقاته لأنه ما من شيء منها إلا وهو مرتب على ما اقتضته الحكمة واستدعته المصلحة فجميع المخلوقات حسنة وإن تفاوتت في مراتب الحسن كما يشير إليه قوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِى أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4] ونفي التفاوت في خلقه تعالى في قوله سبحانه: {مَّا ترى فِى خَلْقِ الرحمن مِن تفاوت} [الملك: 3] على معنى ستعرفه إن شاء الله تعالى غير مناف لما ذكر، وجوز أن يكون المعنى علم كيف يخلقه من قوله. قيمة المرء ما يحسن وحقيقته يحسن معرفته أي يعرفه معرفة حسنة بتحقيق وإيقان، ولا يخفى بعده.
وقرأ العربيان. وابن كثير {خَلَقَهُ} بسكون اللام فقيل: هو بدل اشتمال من {كُلٌّ} والضمير المضاف هو إليه له وهو باق على المعنى المصدري، وقيل: هو بدل كل من كل أو بدل بعض من كل والضمير لله تعالى وهو عنى المخلوق، وقيل: هو مفعول ثان لأحسن على تضمينه معنى أعطى أي أعطى سبحانه كل شيء خلقه اللائق به بطريق الإحسان والتفضل، وقيل: هو المفعول الأول و{كُلّ شَىْء} المفعول الثاني وضميره لله سبحانه على تضمين الإحسان والتفضل، وقيل: هو المفعول الأول و{كُلّ شَىْء} المفعول الثاني وضميره لله سبحانه على تضمين الإحسان معنى الإلهام كما قال الفراء أو التعريف كما قال أبو البقاء، والمعنى الهم أو عرف خلقه كل شيء مما يحتاجون إليه فيؤول إلى معنى قوله تعالى: {أعطى كُلَّ شَىء خَلْقَهُ ثُمَّ هدى} [طه: 50].
واختار أبو علي في الحجة ما ذكره سيبويه في الكتاب أنه مفعول مطلق لأحسن من معناه والضمير لله تعالى نحو قوله تعالى: {صُنْعَ الله} [النمل: 88] و{وَعَدَ الله} [النور: 55] {وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسان} أي آدم عليه السلام {مِن طِينٍ} أو بدأ خلق هذا الجنس المعروف {مِن طِينٍ} حيث بدأ خلق آدم عليه السلام خلقًا منطويًا على فطرة سائر أفراد الجنس انطواء إجماليًا منه، وقرأ الزهري {بَدَأَ} بالألف بدلًا من الهمزة قال في البحر وليس القياس في هدأ هذا بإبدال الهمزة ألفًا بل قياس هذه الهمزة التسهيل بين بين على أن الأخفش حكى في قرأت قريت قيل: وهي لغة الأنصار فهم يقولون في بدأ بدي بكسر عين الكلمة وياء بعدها، وطيء يقولون في فعل هذا نحو بقي بقي كرمي فاحتمل أن تكون قراءة الزهري على هذه اللغة بأن يكون الأصل بدي ثم صار بدًا، وعلى لغة الأنصار قال ابن رواحة:
باسم الإله وبه بدينا *** ولو عبدنا غيره شقينا


{ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8)}
{ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ} أي ذريته سميت بذلك لأنها تنسل وتنفصل منه {مِن سلالة} أي خلاصة وأصلها ما يسل ويخلص بالتصفية {مّن مَّاء مَّهِينٍ} ممتهن لا يعتني به وهو المني.


{ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (9)}
{ثُمَّ سَوَّاهُ} عدله بتكميل أعضائه في الرحم وتصويرها على ما ينبغي، وأصل التسوية جعل الأجزاء متساوية، و{ثُمَّ} للترتيب الرتبي أو الذكري.
{وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ} أضاف الروح إليه تعالى تشريفًا له كما في بيت الله تعالى وناقة الله تعالى وإشعارًا بأنه خلق عجيب وصنع بديع، وقيل: إضافة لذلك إيماء إلى أن له شأنه له مناسبة ما إلى حضرة الربوبية.
ومن هنا قال أبو بكر الرازي: م عرف نفسه فقد عرف ربه، ونفخ الروح قيل: مجاز عن جعلها متعلقة بالبدن وهو أوفق ذهب القائلين بتجرد الروح وأنها غير داخلة في البدن من الفلاسفة وبعض المتكلمين كحجة الإسلام الغزالي عليه الرحمة، وقيل: هو على حقيقته والمباشر له الملك الموكل على الرحم وإليه ذهب القائلون بأن الروح جسم لطيف كالهواء سار في البدن سريان ماء الورد في الورد والنار في الجمر، وهو الذي تشهد له ظواهر الأخبار وأقام العلامة ابن القيم عليه نحو مائة دليل.
{وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والابصار والافئدة} التفات إلى الخطاب لا يخفى موقع ذكره بعد نفخ الروح وتشريفه بخلعة الخطاب حين صلح للخطاب والجعل إبداعي واللام متعلقة به، والتقديم على المفعول الصريح لما مر مرارًا من الاهتمام بالمقدم والتشويق إلى المؤخر مع ما فيه من نوع طول يخل تقديمه بجزالة النظم الكريم، وتقديم السمع لكثرة فوائده فإن أكثر أمور الدين لا تعلم إلا من جهته وأفرد لأنه في الأصل مصدر.
وقيل: للإيماء إلى أن مدركه نوع واحد وهو الصوت بخلاف البصر فإنه يدرك الضوء واللون والشكل والحركة والسكون وبخلاف الفؤاد فإنه يدرك مدركات الحواس بواسطتها وزيادة على ذلك أي خلق لمنفعتكم تلك المشاعر لتعرفوا أنها مع كونها في أنفسها نعمًا جليلة لا يقادر قدرها وسائل إلى التمتع بسائر النعم الدينية والدنيوية الفائضة عليكم وتشكروها بأن تصرفوا كلًا منها إلى ما خلق هو له فتدركوا بسمعكم الآيات التنزيلية الناطقة بالتوحيد والبعث وبأبصاركم الآيات التكوينية الشاهدة بهما وتستدلوا بأفئدتكم على حقيقتها، وقوله تعالى: {قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ} بيان لكفرهم بتلك النعم بطريق الاعتراض التذييلي والقلة عنى النفي كما ينبى عنه ما بعده.
ونصب الوصف على أنه صفة لمحذوف وقع معمولًا لتشكرون أي شكرًا قليلًا تشكرون أو زمانًا قليلًا تشكرون.
واستظهر الخفاجي عليه الرحمة كون الجملة حالية لا اعتراضية.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8